فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر أسماء سورة الفاتحة:

.قال الفخر:

اعلم أن هذه السورة لها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى:
أسماء الفاتحة وسببها:
فالأول: فاتحة الكتاب سميت بذلك الاسم لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم، والقراءة في الصلاة، وقيل سميت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كلام على ما سيأتي تقريره، وقيل لأنها أول سورة نزلت من السماء.
والثاني: سورة الحمد والسبب فيه أن أولها لفظ الحمد.
والثالث: أم القرآن والسبب فيه وجوه:
الأول: أن أم الشيء أصله، والمقصود من كل القرآن تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فقوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم} يدل على الإلهيات، وقوله: {مالك يَوْمِ الدين} يدل على المعاد، وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يدل على نفي الجبر والقدر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين} يدل أيضًا على إثبات قضاء الله وقدره وعلى النبوات، وسيأتي شرح هذه المعاني بالاستقصاء، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وكانت هذه السورة مشتملة عليها لقبت بأم القرآن.
السبب الثاني لهذا الاسم: أن حاصل جميع الكتب الإلهية يرجع إلى أمور ثلاثة: إما الثناء على الله باللسان، وإما الاشتغال بالخدمة والطاعة، وإما طلب المكاشفات والمشاهدات، فقوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} كله ثناء على الله، وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} اشتغال بالخدمة والعبودية، إلا أن الابتداء وقع بقوله: {إياك نعبد} وهو إشارة إلى الجد والاجتهاد في العبودية، ثم قال: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهو إشارة إلى اعتراف العبد بالعجز والذلة والمسكنة والرجوع إلى الله، وأما قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} فهو طلب للمكاشفات والمشاهدات وأنواع الهدايات.
السبب الثالث لتسمية هذه السورة بأم الكتاب: أن المقصود من جميع العلوم: إما معرفة عزة الربوبية، أو معرفة ذلة العبودية فقوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} يدل على أنه هو الإله المستولي على كل أحوال الدنيا والآخرة، ثم من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إلى آخر السورة يدل على ذل العبودية، فإنه يدل على أن العبد لا يتم له شيء من الأعمال الظاهرة ولا من المكاشفات الباطنة إلا بإعانة الله تعالى وهدايته.
السبب الرابع: أن العلوم البشرية إما علم ذات الله وصفاته وأفعاله، وهو علم الأصول وإما علم أحكام الله تعالى وتكاليفه، وهو علم الفروع، وإما علم تصفية الباطن وظهور الأنوار الروحانية والمكاشفات الإلهية.
والمقصود من القرآن بيان هذه الأنواع الثلاثة، وهذه السورة الكريمة مشتملة على تقرير هذه المطالب الثلاثة على أكمل الوجوه: فقوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} إشارة إلى علم الأصول: لأن الدال على وجوده وجود مخلوقاته، فقوله: {رَبّ العالمين} يجري مجرى الإشارة إلى أنه لا سبيل إلى معرفة وجوده إلا بكونه ربًا للعالمين، وقوله: {الحمد للَّهِ} إشارة إلى كونه مستحقًا للحمد، ولا يكون مستحقًا للحمد إلا إذا كان قادرًا على كل الممكنات عالمًا بكل المعلومات، ثم وصفه بنهاية الرحمة وهو كونه رحمانًا رحيمًا ثم وصفه بكمال القدرة وهو قوله {مالك يوم الدين} حيث لا يهمل أمر المظلومين، بل يستوفي حقوقهم من الظالمين، وعند هذا تم الكلام في معرفة الذات والصفات وهو علم الأصول، ثم شرع بعده في تقرير علم الفروع، وهو الاشتغال بالخدمة والعبودية، وهو قول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ثم مزجه أيضًا بعلم الأصول مرة أخرى، وهو أن أداء وظائف العبودية لا يكمل إلا بإعانة الربوبية، ثم شرع بعده في بيان درجات المكاشفات وهي على كثرتها محصورة في أمور ثلاثة: أولها: حصول هداية النور في القلب، وهو المراد من قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} وثانيها: أن يتجلى له درجات الأبرار المطهرين من الذين أنعم الله عليهم بالجلايا القدسية والجواذب الإلهية، حتى تصير تلك الأرواح القدسية كالمرايا المجلوة فينعكس الشعاع من كل واحدة منها إلى الأخرى، وهو قوله: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وثالثها: أن تبقى مصونة معصومة عن أوضار الشهوات، وهو قوله: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} وعن أوزار الشبهات، وهو قوله: {وَلاَ الضالين} فثبت أن هذه السورة مشتملة على هذه الأسرار العالية التي هي أشرف المطالب، فلهذا السبب سميت بأم الكتاب كما أن الدماغ يسمى أم الرأس لاشتماله على جميع الحواس والمنافع.
السبب الخامس: قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم بن حبيب، قال: سمعت أبا بكر القفال قال: سمعت أبا بكر بن دريد يقول: الأم في كلام العرب الراية التي ينصبها العسكر، قال قيس بن الحطيم:
نصبنا أمنا حتى ابذعروا ** وصاروا بعد ألفتهم سلالا

فسميت هذه السورة بأم القرآن لأن مفزع أهل الإيمان إلى هذه السورة كما أن مفزع العسكر إلى الراية، والعرب تسمى الأرض أمًا؛ لأن معاد الخلق إليها في حياتهم ومماتهم، ولأنه يقال: أم فلان فلانًا إذا قصده.
الاسم الرابع: من أسماء هذه السورة السبع المثاني قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني} [الحجر: 87] وفي سبب تسميتها بالمثاني وجوه:
الأول: أنها مثنى: نصفها ثناء العبد للرب، ونصفها عطاء الرب للعبد.
الثاني: سميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة من الصلاة.
الثالث: سميت مثاني لأنها مستثناة من سائر الكتب، قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل هذه السورة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم.
الرابع: سميت مثاني لأنها سبع آيات، كل آية تعدل قراءتها قراءة سبع من القرآن، فمن قرأ الفاتحة أعطاه الله ثواب من قرأ كل القرآن.
الخامس: آياتها سبع، وأبواب النيران سبعة، فمن فتح لسانه بقراءتها غلقت عنه الأبواب السبعة، والدليل عليه ما روي أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا محمد، كنت أخشى العذاب على أمتك».
فلما نزلت الفاتحة أمنت، قال: لم يا جبريل؟ قال: لأن الله تعالى قال: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الحجر: 43، 44] وآياتها سبع فمن قرأها صارت كل آية طبقًا على باب من أبواب جهنم، فتمر أمتك عليها منها سالمين.
السادس: سميت مثاني لأنها تقرأ في الصلاة ثم إنها تثنى بسورة أخرى.
السابع: سميت مثاني لأنها أثنية على الله تعالى ومدائح له.
الثامن: سميت مثاني لأن الله أنزلها مرتين، واعلم أنا قد بالغنا في تفسير قوله تعالى: {سَبْعًا مّنَ المثاني} في سورة الحجر.
الاسم الخامس: الوافية، كان سفيان بن عيينة يسميها بهذا الاسم، قال الثعلبي، وتفسيرها أنها لا تقبل التنصيف، ألا ترى أن كل سورة من القرآن لو قرئ نصفها في ركعة والنصف الثاني في ركعة أخرى لجاز، وهذا التنصيف غير جائز في هذه السورة.
الاسم السادس: الكافية، سميت بذلك لأنها تكفي عن غيرها، وأما غيرها فلا يكفي عنها، روى محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضًا عنها».
الاسم السابع: الأساس، وفيه وجوه:
الأول: أنها أول سورة من القرآن، فهي كالأساس.
الثاني: أنها مشتملة على أشرف المطالب كما بيناه، وذلك هو الأساس.
الثالث: أن أشرف العبادات بعد الإيمان هو الصلاة، وهذه السورة مشتملة على كل ما لابد منه في الإيمان والصلاة لا تتم إلا بها.
الاسم الثامن: الشفاء، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم». ومر بعض الصحابة برجل مصروع فقرأ هذه السورة في أذنه فبرئ فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هي أم القرآن، وهي شفاء من كل داء».
وأقول: الأمراض منها روحانية، ومنها جسمانية، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكفر مرضًا فقال تعالى: {في قُلُوبِهِمْ مَّرَض} [البقرة: 10] وهذه السورة مشتملة على معرفة الأصول والفروع والمكاشفات، فهي في الحقيقة سبب لحصول الشفاء في هذه المقامات الثلاثة.
الاسم التاسع: الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين والمراد هذه السورة».
الاسم العاشر: السؤال، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى عن رب العزة سبحانه وتعالى أنه قال: «من شغله ذكرى عن سؤالي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» وقد فعل الخليل عليه السلام ذلك حيث قال: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] إلى أن قال: {رَبّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} [الشعراء: 83] ففي هذه السورة أيضًا وقعت البداءة بالثناء عليه سبحانه وتعالى وهو قوله: {الحمد لله} إلى قوله: {مالك يوم الدين} ثم ذكر العبودية وهو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ثم وقع الختم على طلب الهداية وهو قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
وهذا يدل على أن أكمل المطالب هو الهداية في الدين، وهو أيضًا يدل على أن جنة المعرفة خير من جنة النعيم لأنه تعالى ختم الكلام هنا على قوله: {اهدنا} ولم يقل أرزقنا الجنة.
الاسم الحادي عشر: سورة الشكر، وذلك لأنها ثناء على الله بالفضل والكرم والإحسان.
الاسم الثاني عشر: سورة الدعاء، لاشتمالها على قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} فهذا تمام الكلام في شرح هذه الأسماء، والله أعلم. اهـ.

.قال الفيروزابادي:

أسماؤها قريبة من ثلاثين: الفاتحة، فاتحة الكتاب، الحمد، سورة الحمد، الشافية، الشفاء، سورة الشفاء، الأَساس، أَساس القرآن، أُمّ القرآن، أُمّ الكتاب، الوافية، الكافية، الصّلاة، سورة الصّلاة، قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» الحديث، يعنى فاتحة الكتاب، السّبع المثاني؛ لأنها تُثْنَى في كل صلاة، أَو لاشتمالها على الثَّناء على الله تعالى، أَو لتثنية نزولها، سورة الفاتحة، سورة الثناء، سورة أُمّ القرآن، سورة أُم الكتاب، سورة الأًساس، الرُّقْية، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وما أَدراك أَنّها رُقْية».
المقصود من نزول هذه السّورة تعليم العباد التيمُّن والتبّرك باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء الأُمور، والتّلقين بشكر نعم المنعم؛ والتوكُّل عليه في باب الرّزق المقسوم، وتقوية رجاء العبد برحمة الله تعالى، والتّنبيه على ترقُّب العبد الحسابَ والجزاءَ يوم القيامة، وإِخلاص العبوديّة عن الشرك، وطلب التوفيق والعصمة من الله، والاستعانة والاستمداد في أَداء العبادات، وطلب الثبات والاستقامة على طريق خواصّ عباد الله، والرَّغبة في سلوك مسالكهم، وطلب الأَمان من الغَضب، والضلال في جميع الأَحوال، والأَفعال، وختم الجميع بكلمة آمين، فإِنها استجابة للدعاء، واستنزال للرَّحمة، وهى خاتَم الرَّحمة الَّتي خَتَم بها فاتحة كتابه. اهـ.